إذاً: فالمحكم يأتي مقابل المنسوخ كما في أصول الفقه، ولكن إذا جَاءَ المحكم مقابل المتشابه فمعناه الذي لا يحتمل إلا معنىً واحداً أو هو النص الواضح الجلي، والمتشابه: ما يلتبس معناه وما يخفى، وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7] فهو ولا يريد الذين يتبعون المنسوخ بل الذين يتبعون ما تشابه منه مثل: الوعد والوعيد والأمثال والأقسام وأمثال ذلك مما قد يدق معناه ويخفى
ولهذا قَالَ: ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وقد روي مرفوعاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن لا يصح رفعه "إنهم الخوارج " هكذا فسرها المفسرون من السلف، وقد جَاءَ في الصحيحين أن أم المؤمنين عَائِِِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: لما قرأت هذه الآية قالت: "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم" وكأن أم المؤمنين عَائِِِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- تشير إِلَى الخوارج "الحرورية " فهم مثلاً يتبعون قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] فيجدون قاضي من قضاة الْمُسْلِمِينَ خالف أمر الله في مسألة فيقولون: هذا كافر، وآخر من الْمُسْلِمِينَ شرب الخمر فيقولون: هذا كافر؛ لأن معصية الله تَعَالَى عندهم كفر ويستدلون بقوله تَعَالَى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] الضلال المبين هو الكفر كما في آيات أخرى.