فالمسألة إذاً ليست تقليد، فهذا الدين هو فطرة الله التي خلق النَّاس عليها لا تبديل لخلق الله- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30] فالله تَعَالَى فطر النفوس عَلَى هذا الدين كما وضح ذلك النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح (كل مولود يولد عَلَى الفطرة) أي: يولد عَلَى الملة، وفي رواية: (عَلَى هذه الملة) وكلها معناها واحد وهو: أن كل مولود يولد عَلَى الإسلام، وعلى الملة الصحيحة القويمة، وهي الإسلام والتوحيد، ومعرفة الله تَعَالَى معرفة مجملة؛ لكنها صحيحة وسليمة، ولهذا لو سألت العجوز أو الأعرابي أو الطفل -المميز- أين الله تعالى؟ لقال لك: في السماء. حتى أولاد اليهود وأولاد النَّصارَى يولدون عَلَى أن الله واحد، وإذا كَبُرَ علَّموه أنه سبحانه ثلاثة تَعَالَى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ومن رحمة الله تَعَالَى وحكمته أنه لم يُقِمِ الحجةَ علينا بالمعرفةِ الفطرية وحدها، وإلَّا لكانت كافية قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172] فهذا الميثاق الفطري الذي أخذه الله - تعالى- من الذرية من ظهور بني آدم، هو فطرهم عَلَى الشهادة والإقرار له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالوحدانية، فهو إذاً أمر موجود في النفوس؛ لكن من رحمة الله أنه لم يجعل ذلك مناط العقوبة، فيعاقبنا بناءً عَلَى العهد الذي أخذه منا، أو بناءً عَلَى الفطرة التي فطرنا عليها؛ بل بعث الله تَعَالَى الرسل رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] وهذا من فضله تَعَالَى أنه لا يعاقب أحداً إلا بعد مجيء النذير وهو الرَّسُول أو القُرْآن أو الحق. فهذا من كمال عدل الله وحكمته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015