فالأمر إذاً ليس أمر عقليات ولا كلاميات أو حفظ مسائل ومتون، وإنما الأمر أمر إيمان ويقين، والعلم إذا لم يثمر الإيمان واليقين وتقوى الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وخشيته في السر والعلن فلا خير فيه، بل هذا دليل عَلَى أن ذلك العلم خبيث، وإن كَانَ العلم حقاً، وكانت النية لغير الله عَزَّ وَجَلَّ فإن صاحبه لا ينتفع به، فكيف إذا اجتمع الأمران: علم لا ينفع، ونية فاسدة نسأل الله العفو والعافية.
ويقاس عَلَى هذا نظريات علم الاجتماع، وعلم النفس، والقوانين الوضعية بجميع أنواعها، وأكثر هذه العلوم التي تسمى العلوم الإِنسَانية، التي لا تثمر هدى ولا صلاحاً، ولا فلاحاً ولا خيراً لمن يقرأها. فتجد أحدهم يتعمق فيها ويناقش الأدلة، ويرد من كلام هذا، ويأخذ من كلام هذا، ويؤلف المجلدات، أو يحصل عَلَى أعلى الشهادات، وكلها لا خير فيها، ولا فائدة من ورائها أبداً، والفرق بين هذه العلوم وبين علم الكلام: أن علم الكلام كَانَ النَّاس في ذلك الزمن ينظرون إليه بمنظار الدين، حتى في أوروبا، فقد كَانَ رجال الدين يمثلون حال الكنيسة التي تتحكم في كل شيء، وفي كل علم، بخلاف دين الإسلام فهذه العلوم عندما كانت لأنها تسمى علوماً إلهية، وتتعلق بصفات الله عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ النَّاس كانوا يتجهون إليها، فكان الواحد منهم -أي من علماء الكلام - يظن أنه يتعلم علم الكلام ليدافع عن الدين، وليعتقد اليقين -كما مر- وأن هذا علم نافع، وأنه مثل علم النحو، وعلم الفقه ونحو ذلك من العلوم، التي طورت ودونت وأحدثت لها مصطلحات جديدة.