فهذا الشاعر يتكلم أو يصف أمير المؤمنين عثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لمَّا قتله أُولَئِكَ الثوار الفجرة الظلمة المعتدون، وذلك أنهم قتلوه رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ والمصحف بين يديه وهو يتلو كتاب الله، أي: يقطع الليل قراءة.
وهذا البيت جارٍ عَلَى كلام العرب قبل نزول القُرْآن أنه بمعنى: القراءة، وإن كَانَ الشاعر قالها في الإسلام، فالمقصود أن في لغة العرب يطلق القُرْآن عَلَى القراءة؛ لكن بعد نزول القرآن، وتسميته بهذا الاسم غلبت عليه كلمة القُرْآن عند الناس، وصار في أذهانهم أن المقصود به هو كلام الله، أي: ما في المصحف، وأما من حيث اللغة، فيصح أن تستخدم كلمة القُرْآن بمعنى القراءة، فنقول مثلاً: هذا قرآني لهذا الشيء أي: قراءتي لهذا الشيء ولا حرج في ذلك من حيث اللغة، ولا من حيث الشرع، وليس هذا محرماً؛ لكن لاشتهار القُرْآن حتى أصبح علماً عَلَى كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- فلا تستخدم هذه الكلمة لغيره؛ لأنها أهملت من الاستعمال لغيره.
ومن حيث الشرع فقد جَاءَ ذلك أيضاً في القرآن، كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ َ مَشْهُوداً [الإسراء: 78] أي: قراءته، وليس المقصود هو المصحف الذي هو كتاب الله وإنما قراءة القرآن، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (زينوا القُرْآن بأصواتكم) أي: زينوا قراءتكم للقرآن بأصواتكم بأن يقرأه الإِنسَان محسناً مجوداً مرتلاً.
وتارة يذكر ويراد به المقروء، وهذا هو الغالب، وهذا الذي يطلق عليه القرآن، والقرآن بمعنى المقروء الذي هو كلام الله الذي نقرأه، فقوله تَعَالَى:فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآن آنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] أي: إذا ابتدأت تقرأ القرآن، فالقرآن هنا بمعنى المقروء الذي سوف تقرؤه من كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، ابدأه بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.