فالمقصود أن العبارات تتعدد في التعبير عن شيء واحد، وتكون كلها حقيقة لأن الإطلاقات تختلف باختلاف النظر ففي حالة ننظر إِلَى المعنى، وفي حالة ننظر إِلَى اللفظ، وفي حالة ننظر إِلَى الكلام من حيث الذي أنشأه أول مرة، وفي حالة ننظر إِلَى الكلام من حيث الذي كتبه وهكذا، فحسب تعدد هذه الحالات يتعدد الكلام، وجميع الحالات حقيقي.
إذاً: كلام الله عَزَّ وَجَلَّ هو كلام الله حقيقة في حالة كونه مكتوباً أو محفوظاً أو مقروءاً، ولا خلاف في ذلك، ولله الحمد وليس مجازاً في أي حالة من الحالات.
قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
[والقرآن في الأصل: مصدر، فتارة يذكر ويراد به القراءة، قال تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ َ مَشْهُوداً [الإسراء:78] وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (زينوا القُرْآن بأصواتكم) وتارة يذكر ويراد به المقروء قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآن آنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] وقال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ القُرْآن آنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن هذا القُرْآن أنزل عَلَى سبعة أحرف) إِلَى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة عَلَى كل من المعنيين المذكورين. فالحقائق لها وجود عيني، وذهني، ولفظي، ورسمي، ولكن الأعيان تعلم، ثُمَّ تذكر، ثُمَّ تكتب، فكتابتها في المصحف هي المرتبة الرابعة وأما الكلام فإنه ليس بينه وبين المصحف واسطة بل هو الذي يكتب بلا واسطة ذهن ولا لسان، والفرق بين كونه في زبر الأولين وبين كونه في رق منشور أو لوح محفوظ، أو في كتاب مكنون: واضح.