قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
[وكذلك الفرق بين القراءة التي هي فعل القارئ، والمقروء الذي هو قول الباري، من لم يهتد له فهو ضال أيضاً، ولو أن إنساناً وجد في ورقة مكتوباً: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
من خط كاتب معروف، لقال هذا من كلام لبيد حقيقة، وهذا خط فلان حقيقة، وهذا كل شيء حقيقة، وهذا حبر حقيقة، ولا تشتبه هذه الحقيقة بالأخرى] اهـ.
الشرح:-
أتى المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ بمثال ليبين ويوضح به الفرق بين القراءة والمقروء، فيطلق كلام الله عَلَى المقروء وعلى القراءة، وذكر هذا المثال الذي فيه عدة معانٍ كلها حقيقة ليس فيها مجاز، وهي البيت المشهور عن لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
وهي التي قال فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أصدق كلمة قالها لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) ، فَيَقُولُ: لو أن إنساناً وجد هذا البيت، مكتوباً في ورقة، فقَالَ: هذا كلام لبيد، فالكلام هذا حقيقة؛ لأنه شعره الذي قاله وأنشأه وابتدأه، مثلما نقول في القرآن: إن هذا كلام الله لأنه هو الذي قاله، وتكلم به وابتدأه، وإن قال شخص هذا خط أحد الطلاب أو المدرسين مثلاً كتب هذه الكلمة من كلام لبيد، ووضعها في ورقة فهذا إطلاق حقيقي أيضاً وليس فيه مجاز، ولذا قَالَ: [وهذا كل شيء حقيقة] .
معناها أصدق كلمة قالها شاعر، وهي كلمة يشير إِلَى اللفظة ولا يشير إِلَى كل الأشياء التي خلقها الله في هذه الورقة، فكلمة كل شيء حقيقة فعلاً، لأنه أراد اللفظ وأراد الكلام، ثُمَّ يقول: [وهذا خبر حقيقة] أي أن أحد علماء البيان أو البلاغة قَالَ: هذا خبر حقيقة، وقصد البلاغي أن قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
ليس استفهاماً، ولا نهياً، ولا أمراً، وإنما هو خبر حقيقة وليس مجازاً، فانظروا كيف اختلفت الإطلاقات مع أن الشيء واحد وكلها حقيقة ليس فيها مجاز.