وإن لم يقولوا أو يبينوا للناس هذا، فما بلغوا رسالة الله كما قال تعالى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس [المائدة:67] فأمر الله تَعَالَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه وحفظه وعصمه من النَّاس حتى لا يمنعه الخوف، فَيَقُولُ: لو بلغت لربما آذوني أو قتلوني. فالأذى يحصل لكنه ابتلاء ولم يصل إِلَى حد القتل؛ لكن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أمره فقَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 7] فإن لم يقولوا ولم يفعلوا لكانوا كاتمين غير مبلغين للحق، وحاشاهم من ذلك وسيدهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو الذي بلغ ما أنزله إليه ربه، فتركنا عَلَى البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

يقول المصنف: [ولا يعرف في لغة ولا عقل، قائل متكلم لا يقوم به القول والكلام] سبق أن بينا ذلك وقلنا: المتكلم هو من فعل الكلام، أما إذا قلنا: إن المتكلم هو من قام الكلام بغيره، فأنا أتكلم الآن، ويمكن أن ينسب كلامي هذا إِلَى فلان والآخر إِلَى فلان لأنه قام الكلام بغيره، فهذا لا يقول به عاقل لكن كما قال الإمام أبو حنيفة: يتكلم لا ككلامنا، ويعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[وكثيرٌ من متأخري الحنفية على أنه معنى واحد، والتعددُ والتكثر والتجزي والتَّبَعُّضُ في الحاصل في الدّلالات، لا في المدلولِ، وهذه العبارات مخلوقة، وسميت "كلام الله" لدلالتها عليه وتأديه بها، فإن عُبِّرَ بالعربية فهو قرآن، وإن عُبِّرَ بالعبرية فهو توراة، فاختلفت العبارات لا الكلام، قالوا: وتسمى هذه العبارات كلام الله مجازاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015