وهذا الكلام فاسد، فإن لازِمَهُ أن معنى قوله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32] هو معنى قوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] . ومعنى آية الكرسي هو معنى آية الدين! ومعنى سورة الإخلاص هو معنى تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] وكلما تأمل الإنسان هذا القول تبين له فساده وعلم أنه مخالف لكلام السلف.
والحقُّ أن التوراةَ والإنجيلَ والزبورَ والقرآنَ من كلام الله حقيقة، وكلامُ الله تعالى لا يَتَنَاهى، فإنه لم يَزَلْ يتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء، ولا يَزَالُ كذلك، قال تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف:109] وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:27] .
ولو كان ما في المصحف عبارةً عن كلام الله وليس هو كَلامَ الله لما حرم على الجنب والمحدث مسه، ولو كان ما يقرؤه القارئ ليس كلام الله لما حرم على الجنب قراءة القرآن.
بل كلامُ الله محفوظ في الصدور مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف كما قال أبو حنيفة رحمه الله في الفقه الأكبر وهو في هذه المواضع كلها حقيقة.
وإذا قيل المكتوب في المصحف كلام الله فهم منه معنى صحيح حقيقي.
وإذا قيل: فيه خط فلان وكتابته، فُهم منه معنى صحيح حقيقي.
وإذا قيل: فيه مداد قد كتب به فهم منه معنى صحيح حقيقي.