فهَؤُلاءِ الثلاثة يقولون قولاً واحداً وهو أن القُرْآن كلام الله غير مخلوق، ويخالفون في ذلك الماتريدية، وقلنا إن أبا منصور الماتريدي: رجل عاش في القرن الرابع في بلاد ما وراء النهر وينتسب إِلَى الإمام أبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الفقه لكنه تعلق بعلم الكلام، وناظر المعتزلة وناقشهم وأكثر من مخالفتهم، وكان متأثراً بالمنهج الكلامي في الجملة، فخرج عن كثير مما قرره الإمام -أبو حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ، وأصبح الأحناف ينتسبون إليه في العقيدة وينتسبون إِلَى الإمام أبي حنيفة في الفقه.

والمصنف يريد هنا أن يبين أن الحنفية مخطئون عندما يتبعون أبا منصور، ويتركون كلام الطّّحاويّ، والإمام أبو حنيفة الذي ينتسبون إليه، فيأتي من الفقه الأكبر بما يدل عَلَى مطابقته لكلام الطّّحاويّ؛ لأن بعض الحنفية يشرحون العقيدة الطّّحاويّة شرحاً ماتريدياً، ويؤولون الألفاظ والكلمات التي جاءت فيها، ولا يستغرب ذلك لأنهم قد أولوا الآيات، وأولوا الأحاديث، فلا يستغرب أن يؤلوا أيضاً كلام الإمام الطّّحاويّ أو كلام الإمام أبي حنيفة لكن من كَانَ له فهم وعقل سليم فإنه يستطيع أن يقارن الكلام ويفهم، فهذا النص الذي قرأناه واضح كل الوضوح، في مخالفته لكلام الماتريدية.

والشراح المتأخيرن الذين شرحوا عقيدة الطّّحاويّ، وَقَالُوا: إن الإمام أبا حنيفة وأبا جعفر الطّّحاويّ يقولان بالكلام النفسي، وذلك أن في هذا النص كلمة وهي قول الإمام: [فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل] قالوا: ومعنى ذلك: أن الإمام أبا حنيفة يقول: إن الله تَعَالَى لما كلم موسى كلَّمه بالكلام الذي هو من صفاته في الأزل وليس هناك من صفاته في الأزل إلا الكلام النفسي، أما الكلام الذي هو حروف وأصوات مسموعة فهذا ليس في الأزل، فحرفوا كلام الإمام مع أن أوله واضح كل الوضوح، أن القُرْآن كلام الله في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ وعلى الألسن مقروء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015