مذهب الإمام أبي حنيفة في الكلام عن القرآن
يقول الإمام أبو حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-كما في كتابه الفقه الأكبر: (والقرآن كلام الله في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق، وكتابتنا له مخلوقه، وقراءتنا له مخلوقة، والقرآن غير مخلوق، وما ذكره الله في القُرْآن حكاية عن موسى وغيره من الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم وعنفرعونوإبليس فإن ذلك كله كلام الله تعالى، إخباراً عنهم.
وكلام الله غير مخلوق وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق، والقرآن كلام الله لا كلامهم، وسمع موسى عَلَيْهِ السَّلام كلام الله تَعَالَى فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا ويتكلم لا ككلامنا) اهـ.
هذا هو النص الموجود في الفقه الأكبر وفي شرحه للملا علي القاري أحد الحنفية المتأخرين المتوفي في القرن العاشر، وقد نقل المُصْنِّف هذا الكلام ليستدل به عَلَى أنه مطابق لما ذكره -أيضاً- الإمام الطّّحاويّ في المتن، فعندنا الإمامأبو حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ- الذي أصَّل المذهب الذي يُنتسب إليه الأحناف المتوفي سنة (150هـ) ، والإمام الطّّحاويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- المتوفي سنة 321هـ والإمام ابن أبي العز هَؤُلاءِ الثلاثة هم من عمد المذهب، الأول إمام المذهب، والثاني من الأئمة المشهورين في عصره، والثالث كَانَ من كبار قضاة الحنفية بل وغيرهم في زمانه؛ لأنه وُلي ما يُسمى "قاضي القضاة"، أي رئيس القضاء الأعلى في البلد في أيام المماليك.