وكذلك نص أكثر من مرة أن القُرْآن غير مخلوق وأنه كلام الله، وهم يقولون: كلام الله هو الكلام النفسي فقط، أما الحروف فإنها مخلوقة.

فكلام الإمامأبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ- واضح في الرد عَلَى هذا القول، لكنهم وجدوا هذه الكلمة فأخذوا يحرفونها ويحرفون بها بقية الكلام، فأتى الإمام هنا ليرد عليهم، ويقول: إن قوله: [ولما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل] يُعلم منه: أنه حين جَاءَ موسى، كلمه الله تَعَالَى لا أنه لم يزل ولا يزال أبداً يتكلم؛ لأن كلمة (في الأزل) مضمونها أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- اتصف بهذه الصفة في الأزل، ولو كَانَ عَلَى كلامهم أن الصفة التي في الأزل كلم بها موسى، لكان لا يزال وما يزال أبداً وأزلاً ينادي يا موسى يا موسى يا موسى، وهذا لا يقول به عاقل.

وإنما لما جَاءَ موسى كلمه، وهنا تكون الخصوصية لموسى عَلَيْهِ السَّلام أنه سمع كلام الله، أما إذا كَانَ كلام الله هو ما في نفسه، والذي سمعه موسى كلاماً مخلوقاً خلقه الله، فإنه لا ميزة لموسى بكونه كليم الله؛ لأن الله خلق الكلام في عمرو وفي زيد وفي فلان وفلان وأنا أسمع كلام الله الذي خلقه في فلان وفلان عَلَى قولهم، فعلى هذا ليس هناك أي فرق بين موسى عَلَيْهِ السَّلام وبين أي إنسان آخر، إلا أن يكون موسى سمع كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- وكلمه وليس بينه وبين موسى ترجمان ولا واسطة، فإذاً هذا الكلام يرد عَلَى قول الماتريدية، والحنفية المتأخرين عموماً.

فقولهم -كما يقول المصنف-: إنه معنى واحد قائم بالنفس لا يتصور أن يسمع، وإنما يخلق الله الصوت في الهواء) فيقولون: من المُحال أن يسمع كلام الله، لأن كلام الله صفة أزلية قائمة بنفسه تعالى، فكيف يمكن لأحد أن يسمع شيئاً في نفس الباري جل شأنه؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015