ذكر المُصْنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- الشبهة السابقة، وأخذ يرد عليها من عدة أوجه: الوجه الأول: (أنه ذكر الرَّسُول معرَّف بأنه مبلِّغ عن مرسِله) فعندما نقول قال الرسول، أو هو قول رسول، فإن كلمة "رسول" تدل عَلَى أنه مبلِّغ، وليس بمنشئ للكلام، فإذا قلت: قال لي رَسُول فلان كذا وكذا، فمعنى ذلك: أنك تقول إن فلاناً قال لي عَلَى لسان رسوله كذا وكذا، وهذا معروف ومفهوم في كلام العرب.
الوجه الثاني: أن الرَّسُول في إحدى الآيتين جبريل، وفي الأخرى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقوله تَعَالَى كما في سورة الحاقةإِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُول لٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40] هو مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي سورة التكوير: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُول لٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير:19-20] هو جبريل؛ لأنه هو المطاع الأمين، وهو الذي له القوة عند ذي العرش سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ قال وَمَا صَاحِبُكُمْ أي: مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَجْنُونٍ فالآيتان جاءتا بلفظ واحد إحداهما عن مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأخرى عن جبريل عَلَيْهِ السَّلام، فعلى كلامكم: لو أن هذه الحروف من نظم جبريل، أو من نظم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! إذاً يكون كلٌ منهما قد تكلم بالقرآن أو نظَّم القرآن، وهذا غير صحيح، ولا يقبله العقل.