والباقلاني له رسالة اسمها رسالة الحرة، كتبها إلى إحدى الوجيهات أو سيدات في المجتمع في أيامه، ليبين عقيدته، وتسمى الإنصاف، وقد طبعت بعنوان "الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به " بتحقيق محمد زاهد الكوثري، وذكر فيها الاستدلال بقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40] والآيات الكثيرة التي ورد فيها ذكر نزول القرآن كقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاه) أو (نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) على أنه ليس المقصود به نزول حركة وانتقال، لأن الحركة والانتقال هي من شأن الأجرام، أو الأجسام، وإنما هو نزول إعلام وإفهام، فأوّلَ كذلك مسألة النزول؛ لأنهم لا يؤمنون بالعلو.
ثم قال: فالقرآن هو الكلام النفسي الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى، يقول: وأما الذي بين أيدينا فإنما عبَّر عنه جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم، ثم انتشرت هذه المقالة في كثير من كتبهم، ولا تزال حتى اليوم، فالقرآن مخلوق بمعنى أنه كلام أو ألفاظ جبريل أو ألفاظ محمد صلى الله عليه وسلم، عبر به أحدهما عن كلام الله عز وجل النفسي، فالله خلق هذا الكلام فَعُبِّر عن كلامه به، فأحياناً يقولون عبارة وأحياناً يقولون حكاية، إلا أنهم يقولون كما نص على ذلك شارح كتاب الجوهرة بأنه يجب أن لا يُقال: إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم فقط، ولا يُقال على العامة لأنه يُخشى أن يفهموا أن القرآن المخلوق هو كلام الله النفسي. وهذا لا يجوز، لكن إذا بينا لطلاب العلم أن مقصودنا بأن القرآن المخلوق هو هذا الذي في المصحف، فهذا لا بأس أن يُقال أو يُعلم.
هكذا نصوا على ذلك، واستدلوا بقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40] في آية الحاقة وفي آية التكوير.
الرد عليهم من عدة أوجه