وقال تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ [الإسراء:29] فقوله: وَلا تَجْعَلْ ليس معناها ولا تخلق يدك، إنما معناها ولا تصير أو لا تتخذ يدك هذا هو المعنى القريب منها إذا كانت متعدية لمفعولين، وإذا كانت متعدية لمفعول واحد، فهو بمعنى خلق كقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ [الأنعام:1]
والآية فيها عبرة ودقة، فلا يمكن أن يكون هذا من كلام البشر؛ لأنه خلق السموات والأرض والسموات والأرض، كما ترون جانب الخلق الحسي المشاهد عند الإِنسَان واضح فيها؛ لكن الظلمات والنور ليست أشياء يمكن للعقل أن يتصورها كمخلوقات محسوسة ملموسة أشبه ما تكون بالمعاني عَلَى الأقل في الذهن البشري.
في حسنا نَحْنُ البشر أن الظلمات والنور أشبه بالمعاني التي لا تنسب، ولا نستطيع أن نجعلها بنفس المستوى الذي هو للسموات والأرض، فهنا أتى بكلمة خلق، وهنا بكلمة جعل، ولله تَعَالَى في ذلك حكمة، وهكذا قد نظن وقد نتلمس الحكمة، ولكنَّ القُرْآن علمه عند الله عَزَّ وَجَلَّ، ومن قال فيه برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
وقال تعالى: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً [الإسراء:39] معناها أي لا تتخذ مع الله إلها آخر وكذلك قوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَاد الرحمن إناثاً [الزخرف:19] ليس معناها أنهم خلقوا الملائكة ولكن صيروهم واتخذوهم أو اعتبروهم، فالملائكة مفعول أول وإناثاً مفعول ثاني: ونظائره كثيرة.