فخلاصة ما سبق أن "جعل" في لغة العرب تأتي متعدية ناصبة لمفعول واحد، وتكون بمعنى "خلق"، وتأتي متعدية وناصبة لمفعولين، وتكون بمعنى اتخذ أو صير، ولم يأتِ ذكر في القُرْآن بأن "جعل" تتعدى إِلَى مفعولين إلا بالمعنى الثاني الذي هو بمعنى اتخذ وصير لا بمعنى خلق وإذا خرج ذلك فإنه تبطل الشبهة ويبطل الاستدلال الذي يستدل به المعتزلة ومن حذا حذوهم في هذا الباب.
والشبهة الثانية وهي قولهم: إن الله خلق الكلام في غيره. أي هو كلامه لكنه خلقه في غيره، وفي ذلك كلام المُصنِّفُ الآتي.
شبهة من يقول: إن الله خلق الكلام في غيره والرد عليهم
قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
[وما أفسد استدلالهم بقوله تعالى: نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [القصص:30] عَلَى أن الكلام خلقه الله تَعَالَى في الشجرة، فسمعه موسى منها وعموا عما قبل هذه الكلمة، وما بعدها فإن الله تَعَالَى قَالَ: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَن [القصص: 30] والنداء: هو الكلام من بعد: فسمع موسى عَلَيْهِ السَّلام النداء من حافة الوادي ثُمَّ قَالَ: فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [القصص:30] أي: أن النداء كَانَ في البقعة المباركة من عند الشجرة.
كما يقول سمعت كلام زيد من البيت، يكون من البيت لابتداء الغاية، لا أن البيت هو المتكلم، ولو كَانَ الكلام مخلوقاً في الشجرة لكانت الشجرة هي القائلة يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص:30] وهل قَالَ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ غير رب العالمين؟