فمثل هذه المواضع تكون "جعل" بمعنى خلق؛ لكن هناك آيات تكون "جعل" فيها متعدية إِلَى مفعولين ولا يقول أحد إنها في هذه المواضع بمعنى خلق.
ولذلك نأتي بآيات قوية في الدلالة عَلَى هذا الشيء، لا يمكن للمعتزلي مهما مارى أن يقول إنها بمعنى خلق فقَالَ: إن قوله تعالى: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً [النحل:91] هل يمكن أن تقول: قد خلقتم الله عليكم كفيلاً، لا يمكن لأي معتزلي أن يقرأ جعلتم في الآية هذه بمعنى خلقتم أبداً، فلفظ الجلالة مفعول أول وكفيلا مفعول ثاني فـ"جعل" هنا بمعنى: صير، فتنصب المفعولين، وتكون بهذا المعنى وقوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة: 224] لا يمكن لأحد أن يقول: ولا تخلقوا الله، إنما معناه لا تجعلوه، ولا تتخذوه، ولا تصيروه، فلفظ الجلالة مفعول أول، وعرضة هو مفعول ثاني.
وكذلك قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآن آنَ عِضِينَ [الحجر:91] عضين أي أجزاء، فعضة أو عضو بمعنى جزء، فهَؤُلاءِ جعلوا القُرْآن أجزاء يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض أو قسموه فيما بينهم فمنهم من يؤمن ومنهم من لا يؤمن. فنحن وأنتم نتناظر في مسألة القُرْآن نفسه هل هو مخلوق أو غير مخلوق، فإذا كَانَ قوله "الذين" تعود إِلَى الكفار كما في آخر سورة الحجر الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآن آنَ عِضِينَ فالكفار هم الذين خلقوا القُرْآن وأنتم لا تقولون بهذا أبداً إذاً فـ"جعل" ليس بمعنى خلق إنما بمعنى: اتخذوه عضين، أو صيروه عضين، أي: جعلوه أجزاءً.