ثُمَّ قَالَ: [بل نفس ما استدلوا به يدل عليهم] أي أنه دليل عليهم فإن قوله تَعَالَى في الآية نفسها اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ إذا كانت مخلوقة لا تصح أن تكون دليلاً.

وكما قلنا: إنه يلزم من ذلك التسلسل إِلَى ما لا نهاية؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] والخلق يكون بالأمر إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] فالله يأمر فيكون الخلق؛ فله الخلق وله الأمر، فإذا قلنا: إن كلامه وأمره مخلوق، فالأمر كله داخل ضمن الخلق فيحتاج إِلَى أمر آخر فكل أمر يتخيله فهو مخلوق، وإذاً جعلنا كلمة "كن" مخلوق.

فالله تَعَالَى إذا أراد: أن يقول للجبال: كوني أيتها الجبال فالجبال مخلوقة و"كن" مخلوقة فبأي شيء خلق "كن"؟ يحتاج إِلَى شيء آخر، وهكذا إِلَى ما لا نهاية. فلا بد: أن نقر بأن كلامه وأمره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غير مخلوق وإنما بها يكون الخلق.

ثُمَّ انتقل المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى الشبه الأخرى وهي: استدلالهم بكلمة (جعل) عَلَى أن القُرْآن مخلوق.

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:

[وأما استدلالهم بقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3] ، فما أفسده من استدلال! فإن (جعل) إذا كَانَ بمعنى خلق يتعدى إِلَى مفعول واحد كقوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1] وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء:31،30] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015