إذاً: قوله تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ لا بد أن لها مفهوماً محدداً تحدده القرينة والواقع فيكون المعنى تدمر كل شيء كانت مأمورة بأن تدمره وأن تعاقبهم به، أو أي تفسير آخر يخرجها ولا يدخل فيها العموم والكلية المطلقة كالقول بأنها تدمر ما يقبل ويستحق التدمير.
وكذلك قوله تعالى حكايةً عن بلقيس وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23] فالهدهد لما أخبر نبي الله سليمان عليه السلام فقال: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ [النمل: 23] بلقيس امرأة كانت تملك تلك البلاد التي لم يكن سليمان يعلم بها ووصفها الهدهد بقوله: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل:23] فأوتيت كل شيء يلزم الملك أو يهيء لهم أو يستحقون به أن يكونوا ملوكاً فيريد أن يستثير سليمان عليه السلام إلى هذا الموضوع، فقال:أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ كأنه جاء بأمر جديد وغريب وأنها امرأة وأنها أوتيت من كل شيء ومع ذلك يعبدون شيئاً غير الله وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [النمل: 24] .
ولذلك وصفها بهذه الصفة التي جعلت سليمان عليه السلام يهتم بالموضوع ويبذل كل الوسائل لكي يعرف ما هي حقيقة هذه المرأة التي جاء الهدهد بنبئها وخبرها، فالمراد إذاً: أنها ملكة أوتيت من أمور الملك ولوازمه ما يحتاجه الملوك عادة غير محتاجة إلى ما يكمل به أمر ملكها.
وقال: [ولهذا نظائر كثيرة] ، أي: أنه يوجد في القرآن وفي السنة وفي لغة العرب أن الكلمة العامة مثل "كل" وغيرها من ألفاظ العموم يكون عمومها بحسب الموضوع وبحسب القرينة.
ثُمَّ قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: