فالعرب لهم منطق فطري يستدلون ويتكلمون بكلام معروف بقرائنه ولا يحتاج إلى أن يأتي أحد؛ فيقول: لا، هذا يكون عام أنت قصدت كل شيء، فأي إنسان من قريش ومن غيرهم نزل عليه القرآن اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا يمكن أن يرد في ذهنه أنه خالق صفاته؛ لأن صفاته شيء.
فهذه تأتي على منطق اليونان (منطق أرسطو) الذي هو منطق فاسد الفطرة، فمجرد الاحتمالات العقلية تتوارد على الذهن أمور كثيرة لكن المنطق الفطري السليم لا ترد عليه أمثال هذه الإشكالات.
ولذلك نستدل عليهم بالقرآن فنقول: إن الله تعالى قال في أصحاب الأحقاف: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف: 25] فالله تعالى لما سلط عليهم الريح العقيم ورأوا السحاب عارضاً فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24] كانوا يظنون أنه مطر وهذا من الاستهانة بعقوبات الله عز وجل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يرى سحاباً عارضاً يتغير لونه صلى الله عليه وسلم ويخاف ويقول: (إن أمة قد ظنت أنه عارض ممطرها وكان عذاباً) .
فالمؤمن دائماً في قلبه وفي ذهنه الإحساس الدائم بأن هذا الكون بتدبير الله -عز وجل- وأن عقوبة الله قريب ممن يعصيه، فجاء العذاب ودمرهم ولم يبق إلا المساكن والآثار والديار الباقية بعد أن أصبحوا كأنهم أعجاز نخل خاوية فعندئذ يقول الله تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فأخبر عن الريح أنها تدمر كل شيء بأمر ربها فلم تدمر المساكن بل بقيت ولم تدمر السماء ولا البحر ولا الصحراء وكل ما كان حولهم كلها باقية.