ونرد عليهم بأن كلمة "كل" هنا لا تعني كل المخلوقات بلا استثناء ولا عَلَى الإطلاق، ومن ذلك أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال عن الريح التي أرسلها وسلطها عَلَى عاد تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف:25] فمعنى ذلك عَلَى كلامهم: أنها تدمر السموات والأرض والجبال وكل ما يطلق عليه شيء، والواقع أنها لم تدمر إلا ما أُمِرَتْ بتدميره، وما كلفت أن تدمره، فليس معنى كلمة (كل شيء) عَلَى الإطلاق الذي لا استثناء فيه، وكذلك في قصة بلقيس ملكة سبأ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل:23]
فهل معنى ذلك: أنها أوتيت من كل خزائن الدنيا وملكها؟ لا، إنما أوتيت من كل شيء يحتاجه الملوك، أي: أنها ملكة ومملكتها فيها كل شيء من لوازم الملك، فلها مملكة مثلما أن لسليمان عَلَيْهِ السَّلام مملكة، فالعموم في كلمة كل بحسب موضعها، وبحسب موقعه، لكن المُصْنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- عمد إِلَى الاستدلال عَلَى المعتزلة من واقع مذهبهم.
قول المعتزلة في خلق أفعال العباد والرد عليهم
تقول المعتزلة: إن الإِنسَان يخلق فعل نفسه، والله -عَزَّ وَجَلَّ- لم يخلق في الإِنسَان الشر، ولم يرد منه أن يفعل الشر، وإنما الإِنسَان هو الذي يخلق المعاصي ويخلق فعل نفسه.
ويقولون: إن هذا تنزيه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا من توحيد الله، مع أن هذا هو الشرك؛ لأن إثبات خالقين ليس توحيداً وإنما هو الشرك، كما كانت الثنوية المجوس يثبتون إلهين، فقالوا أي المعتزلة: إن الإِنسَان يخلق فعل نفسه ويستدلون بقوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء [الرعد:16] عَلَى أن القُرْآن مخلوق.
فيقال لهم: لماذا لم تدخلوا أفعال المخلوقات في عموم كل، وقد قال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96] فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق المخلوقات؛ وخلق أفعالهم، وكلمة كل شيء هنا تشمل أفعال المخلوقات وأنتم تنكرون ذلك.