وذلك: أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى، وإنما يخلقها العباد جميعها، لا يخلقها الله فأخرجوها من عموم "كل" وأدخلوا كلام الله في عمومها مع أنه صفة من صفاته، به تكون الأشياء المخلوقة، إذ بأمره تكون المخلوقات، قال تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر [الأعراف:54] ففرق بين الخلق والأمر، فلو كَانَ الأمر مخلوقاً للزم أن يكون مخلوقاً بأمر آخر، والآخر بآخر، إِلَى ما لا نهاية له، فيلزم التسلسل وهو باطل، وطرد باطلهم أن تكون جميع صفاته تَعَالَى مخلوقة، كالعلم والقدرة وغيرهما، وذلك صريح الكفر فإن علمه شيء، وقدرته شيء، وحياته شيء، فيدخل ذلك في عموم كل، فيكون مخلوقاً بعد أن لم يكن، تَعَالَى الله عما يقولون علواً كبيراً] اهـ.
الشرح:
هذا الاستدلال حقاً عجيب، وهو مما ناظروا به الإمام أَحْمَد والكناني وغيره، يقولون: إن الله تَعَالَى يقول: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء [الرعد:16] أليس القُرْآن شيء؟
فيُقَالُ: نعم شيء.
فيقولون إذاً القُرْآن مخلوق، فيجعلونه مخلوقاً وهو كلامه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يتكلم به.
فيقول المُصْنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إن هذا من أعجب العجب أن تقولوا إن أفعال العباد كلها خلقها العبد، وهي شيء، ولا تدخل في قوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء [الرعد:16] وتقولون إن كلام الله شيء، ويدخل تحت قوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء [الرعد:16] فهو مخلوق عندكم، انتقل من الرد عليهم بالأدلة العلمية المعروفة، إِلَى الرد عليهم من داخل مذهبهم، كما سبق أن أوضحنا.