ومثل هذا فعل عمرو بن عبيد الذي كَانَ يظهر التنسك والزهد والعبادة الشديدة، فجاءه أعرابي فرآه في تلك الحالة

فقال له: إن ناقتي قد سرقت فادع الله أن يردها لي، فرفع عمرو بن عبيد يده

فقَالَ: اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقة هذا الأعرابي، اللهم فارددها عليه، فالأعرابي عَلَى سذاجته لا يفهم شيئاً لكن بفطرته قَالَ: لا حاجة لي في دعائك

قال عمرو: ولِمَ؟

قَالَ: أخشى ما دام أنه لم يرد أن تسرق فسرقت أن يريد أن ترد فلا ترد.

فالعقل السليم الفطري يرد أقوالهم هذه جميعاً، فهم يريدون أن ينزهوا الله بأنه لا يريد الشر ولا يخلقه، فهذه السرقة مثلاً يقولون: لا يريدها الله ولم يقدرها، ولم يخلقها وإنما العبد هو الذي يفعل.

وأما أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فيقولون: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو خالق الإِنسَان، وخالق أفعاله، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل للإنسان إرادة مخلوقه خلقها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يُحاسِب ويجازي عَلَى نتيجتها، وهذا الرجل من شدة تمسكه بمذهبه لم يرد أن يتخلى عنه حتى وهو يدعو للأعرابي، وأراد الله عَزَّ وَجَلَّ أن يفضحه عَلَى يد ذلك الأعرابي الذي لم يتعلم علم الكلام، وليس هو من أهل العلم بالكتاب والسنة، وإنما توسم في عمرو بن عبيد الخير، ورأى فيه علامات الزهد، فطلب منه الدعاء، فبين له الأعرابي بعد أن سماع دعاءه أنه عَلَى هذا الأصل الفاسد عافانا الله وإياكم.

كلام الله غير مخلوق لأن بكلامه يكون الخلق

استدل المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ بدليل عقلي واضح عَلَى أن كلام الله عَزَّ وَجَلَّ غير مخلوق، وذلك لأن بكلامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يكون الخلق: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يّس:82] وكما قال أيضاً: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] فهو يأمر ويخلق، فإذا كَانَ كلامه وأمره مخلوقاً فبم يكون الخلق؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015