وقد ذكر الإمام البُخَارِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في كتاب التوحيد من صحيحه ذكر عدة أبواب في بيان إثبات الكلام لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وقد ردَّ كذلك في كتاب الإيمان، وفي كتاب التوحيد، عَلَى أصناف المبتدعة والجهمية والزنادقة كما عنون لكتابه بذلك، فإنه رد عَلَى أصناف هَؤُلاءِ جميعاً بآيات وأحاديث صحيحة ثابتة، بمعانٍ عديدة مستنبطة، وتَعْجَب من دقته في الفهم، ومن دقته في الاستنباط، ومن ذلك أنه في مجال إثبات كلام الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عقد باباً لكلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لأهل الجنة وباباً لقوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] وباباً لتكليم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للملائكة، وذكر في كل باب من هذه الأبواب أحاديث صحيحة.
منها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ إذا تكلم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بالكلام سمعته الملائكة كسلسلة عَلَى صفوان، فتضع الملائكة أجنحتها خضعاناً لقوله ثُمَّ تختلف روايات الحديث فمنها، فيمر جبريل عَلَيْهِ السَّلام بأهل كل سماء فيفيقون فيقولون ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير، وهذا الحديث هو تفسير لقوله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23] فهذه الملائكة تصاب من وقع صوت كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها بالخضعان -الإغماء- حتى تفيق بعد ذلك ويكون أول من يفيق جبريل، ثُمَّ يمر عَلَى كل أهل سماء فيخبرهم بما يسألون؟ ماذا قال ربكم؟ فيقولون: قال الحق وهو العلي الكبير، حتى يمر إِلَى السماء الدنيا فيقول ذلك، فيسمعه الجن والشياطين الذين كانوا يقعدون منها مقاعد للسمع.