قال أبو عمرو: هب أن قراءة هذه الآية كذا وقرأتها كما تقول، فكيف تصنع بقوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143] فبهت المعتزلي، فهذه القصة من ردود أهل السنة عَلَى المعتزلة، فهم يحاولون أن يؤولوا هذه الآيات بأي نوع من أنواع التأويل، وأن أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ردوا كل وجه من هذه الوجوه ومنها هذا الوجه الذي أرادوا أن يقرؤها به، أو قالوا: لِمَ لا نقرأها به ردوه بما أثبته هنا وهي الآية الأخرى وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ وهي آية صريحة لا تحتمل أي تأويل، وكذلك لو قلنا من الناحية العقلية: وكذلك لو قلنا من الناحية العقليةوَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] ما الميزة إذا كَانَ المراد أن موسى كلم الله أو خاطب الله أو دعا الله؟
فكل خلق الله يدعون الله عَزَّ وَجَلَّ، نَحْنُ جميعاً كلنا ندعو الله تعالى، فما الميزة لموسى عن غيره، لو تأملنا بأي وجه من الوجوه فإننا لا نجد لهَؤُلاءِ القوم حجدة ولا سنداً إلا الهوى واتباع الظن ولهذا كَانَ هذا الفاجر عمرو بن عبيد إمام المعتزلة يتمنى ويقول: وددت أنني أحك سورة تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] من المصحف والعياذ بالله؛ لأن المعتزلة كانواقدرية، فلم يستطع عقله القاصر أن يستوعب أن أبا لهب من أهل النَّار رغم أنه ما زال حياً ومخاطب بالدعوة كما قال تعالى، تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [سورة المسد] ؟ يقول: نزلت هذه السورة عَلَى أبي لهب وهو لا يزال حي ومخاطب بالدعوة، وفيها إخبار بأنه من أهل النار.
فجاءت الشبهة: هل أبو لهب مجبور، لماذا لم يقل: أنا آمنت؟