يقول عمرو بن عبيد: كَانَ في إمكان أبي لهب أن يقول: أنا أؤمن، ومن آمن، فإنه يدخل الجنة، ولا يدخل النار، فيكون قد كذَّب بالقرآن والعياذ بالله.
فلم يستطع عمرو بن عبيد أن يَحُلَ هذا الإشكال، فليس فيه إلا أن يقول إنه مجبور ويدخل النار، أو يؤمن ولا يكذب القرآن، فهذا الجاهل المسكين لما أخذ يفكر في القدر ويفكر في هذه الآيات وأمثالها بعقله القاصر، ولم يسأل أهل الذكر وقع في هذا الضلال المبين، وهَؤُلاءِ لم يعرف عنهم أنهم سألوا أهل العلم لا عمرو بن عبيد ولا واصل بن عطاء، إنما كانوا في حلقة الحسن البصري رَحِمَهُ اللَّهُ فلما خرجوا عن قول الأئمة بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين، طردهم الحسن البصري من حلقته، فاعتزلوا وسموا المعتزلة.
فلو أنهم اتبعوا كلام أهل العلم وسألوهم، أو سلموا أمرهم إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ وآمنوا بكتاب الله ما فهموا منه وما لم يفهموا، لما وقعوا في هذا التناقض. فلو أن المؤمن لا يؤمن بأي شيء من كتاب الله ولا من سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا إذا استوعبه عقله وفهمه وعرف أنه غير متناقض لما آمن أحد، وأكثر الْمُسْلِمِينَ لا يستطيعون أن يدركوا معاني الآيات ولا معاني الأحاديث، ولا يستطيعون أن يردوا شبهة الملحدين.
ومع ذلك هم ولله الحمد عَلَى الإيمان الصحيح، فالثقة في مصدر الكلام هي وحدها تكفي، وهذا أمر يعرفه البشر حتى في حدود أمورهم الدنيوية، فكيف بمن يعترض عَلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وعلى كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ بعقله القاصر الكليل، ويقول كيف تنزل هذه الآيات؟ أو إذا لم يفهمها سيقول وددت لو أنني حككتها والعياذ بالله، فهم لا يبالون في سبيل إقرار بدعتهم وشبهتهم أن يؤولوا أو يحرفوا، أو أن يفكروا في أن يحكوا الآية من المصحف.