فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما ذكر المصدر المؤكد "تكليماً" أكد الحقيقة ونفى أي احتمال للمجاز أو التأويل أو التحريف.
كما تقول: رأيت فلاناً رؤيةً، أو شاهدته مشاهدة، فإنك تقطع بذلك احتمال أن تكون رأيته في المنام، أو رأيته عن طريق واحد بالإخبار، وتقول: كلمته كلاماً، فمعنى ذلك أنه مشافهة ولم تكلمه مثلاً في رسالة أو في كتاب خطي أو نحو ذلك.
ومع ذلك قال المعطلة: نقرأها وكلم اللهَ موسى تكليماً بنصب لفظ الجلالة (اللهَ) ، فيكون موسى هو الذي كلم اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فرد عليهم أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ بما جَاءَ في الآية الأخرى، وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143] فكيف يمكن أن يؤولوا هذه! مع العلم أن القُرْآن إنما يقرأ بالتلقي، بل حتى القراءات وإن كانت صحيحة الإسناد، ولكنها ليست متواترة لا يجوز أن نقرأ بها، وإنما هي كتفسير أو ما أشبه ذلك، كما هو معلوم في مباحث علوم القرآن.
وأولوها بتأويل آخر فَقَالُوا: إن التكليم: هو التجريح كما في لغة العرب: فيُقَالُ: فلان كَلَّمه أي جَرَّحه، فَقَالُوا: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] أي جَرَّحه تجريحاً. ما معنى هذا الكلام ولماذا جرحه؟
إنما هي شهوة المروق من الحق، وشهوة التأويل الفاسد، وعدم انقياد قلوبهم وأسماعهم وعقولهم لما أنزل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولما قاله رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو انقادوا لله ولرسوله وصدقوا ما قاله الله ورسوله لما خطر لهم أن ولا أن يحرفوا كلام الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
فلذلك عندما يذكر المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى القصة التي وقعت لعمرو بن عبيد فقَالَ: لأبي عمرو ابن العلاء أحد القراء السبعة المعروفين المشهورين: أريد أن تقرأ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] بنصب اسم الله ل يكون موسى هو المتكلم لا الله.