هذه الشبهة التي تلازمنا دائماً في عدة أبحاث؛ فنجدهم في الرؤية يقولون: يلزم من رؤية الله أن يكون جسماً، وأن يكون مقابلاً، ويلزم منه أن يكون منفعلاً سُبْحانَ اللَّه!
كل هذه شبهة واحدة يكررونها جميعاً فيلزمون ربهم تَبَارَكَ وَتَعَالَى بما يلزمون به المخلوق، فهم يقيسون عَلَى ما يرون من هذا المخلوق العاجز الضعيف الكليل، الذي لا يستطيع أن يتكلم أو ينطق إلا بالوسائل التي جعلها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى له، والذي نردُّ به عليهم دائماً هو أن كلام الله يليق بجلاله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولا يشبهه أحد من خلقه لا في كلامه ولا في غير ذلك من صفاته ويقول المُصْنِّف إن أبا جعفر الطّّحاويّويّ صرح بنفي الكيفية عندما قَالَ: [إن القُرْآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً] فأشار إِلَى أن الكيفية التي تتخيلها أو تتوهمها عقول البشر منفية عن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
ثُمَّ قال المصنف: (قولاً) وكلمة قولاً هنا مهمة، فالإمام أبو جعفر الطّّحاويّويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لما قال قولاً إنما يؤكد عَلَى حقيقة القول، وأن القُرْآن الذي هو كلام الله: هو هذا المتلو أو المسموع أو المحفوظ المكتوب بين الدفتين وليس الكلام المخفي وهذا احتراز جيد من الإمام ابن أبي العز -رَحِمَهُ اللَّهُ- عندما نبه إِلَى هذه الكلمة، لأنه سبق أن قلنا: إن بعض الماتريدية شرح العقيدة الطّّحاويّويّة عَلَى أساس أنهم حنفية والإمام أبو جعفر الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللَّهُ حنفي، فأولوها بما يوافق مذهبهم، لكن الإمام ابن أبي العز رَحِمَهُ اللَّهُ، هنا إذا مرت به كلمة حاسمة في الموضوع لا تحتمل التأويل أكدها ليرد عليهم، ولذلك يقول المُصْنِّف [أتى بالمصدر المعرف للحقيقة تأكيداً، كما أكد الله تَعَالَى في التكليم بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمجاز الذي يقطع أي احتمال في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164]] .