ومن أوضح الأمثلة عَلَى ذلك أننا في هذا العصر نسمع من آلات التسجل كلاماً، وهي لا يوجد فيها اللسان ولا الشفتان ولا اللهاة ولا القصبة ولا النفس، وإنما هي آلات مخترعة ومع ذلك تحتفظ بالصوت وتردده وتخرج الكلام من جنس ما صنعه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أو ما صنعه الإِنسَان عَلَى الكيفية التي أرادها الله، ووفّق الله الإِنسَان فصنعها عليها، ومن الممكن أن توجد بطريقة وبأشكال أخرى، وكذلك مسألة الاحتفاظ بالصوت، فقد كانت بدائية قديمة، والآن تطورت وسيلة الحفظ، ويمكن أن تتطور إِلَى أشكال أخرى، ومع ذلك الصوت يسمع منها وهذا في المخلوقات.

وضرب المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُه تَعَالَى هنا أمثلة منها تكليم الأعضاء يَوْمَ القِيَامَةِ: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يّس:65] .

فأعضاء الإِنسَان يَوْمَ القِيَامَةِ تتكلم وتنطق ويختم الله تَعَالَى عَلَى الأفواه، كما قال ذلك في سورة فصلت، وعندها يستغرب المجرمون الظالمون أن تشهد عليهم أعضاؤهم وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21] فهو سبحانه أنطق كل شيء، وينطق كل شيء كما يشاء الله، ومتى شاء، فلو شاء لنطق الهواء، ولو شاء لنطقت الأرض، ولو شاء لأنطق أي شيء يريده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكذلك تسبيح الحصا والطعام وكلام الحجر، هذا كله من الآيات البينات التي أظهرها الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ذلك بلا فم يخرج منه الصوت الصاعد من الرئة المعتمد عَلَى مقاطع الحروف، وهذه كلها من غير الأصوات المعروفة لبني آدم، فليس هناك صوت وليس هناك شفة ولا لهاة إِلَى آخر اللوازم التي قدروها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015