والذي يبدوا لي أن المُصْنِّف اختار كلمة بدا أي ظهر، ولم يختر كلمة بدأ؛ لأن الحنفية شرحوا العقيدة الطّّحاويّ ة شرحاً ماتريدياً، وقد ألمحنا إِلَى ذلك فيما سبق، فإذا قَالَ: "منه بدأ" أي منه ابتدأ، فقد يفهم بعضهم أنه قبل ذلك لم يكن متكلماً، أو أنه ابتدأ الكلام، وأن جنس الكلام، أو نوع الكلام ليس بقديم، فحتى يزيل هذا الإشكال مال إِلَى قوله [منه بدا] مع أن هذا الإشكال له جوابه، وليس هذا موضعه، لكن فيما يبدو من اختيار المُصْنِّف أنه تعمد أن يختار "بدا" ولم يشر إِلَى "بدأَ" لأنه يقول: "وإلى هذا أشار الشيخ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بقوله: "منه بدا بلا كيفية قولاً" أي ظهر منه، ولا ندري كيفية تكلمه به.
وأكّد هذا المعنى في قوله "قولاً" فأتى بالمصدر المعرف للحقيقة؛ كما أكد الله تَعَالَى التكليم بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمجاز في قوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] ونجد أن المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ عندما يتكلم في أصحابه الحنفية يذكر أنهم قالوا: إن إطلاق الكلام عَلَى القُرْآن هو من قبيل المجاز، فكأنه أراد أن يأتي بمعنىً لا يحتمل الشبهة ولا الشك ولا المجاز، فقَالَ: [منه بدا] أي ظهر منه كما سيأتي.
شبهة المعتزلة والجواب عليها:
تقول المعتزلة إذا قلنا: إن القُرْآن كلام الله، لا يمنع أن يكون مخلوقاً.
ودليلهم أنهم قالوا: نَحْنُ نقول بيت الله والبيت مخلوق، وناقة الله والناقة مخلوقة، إذاً كلام الله مخلوق، وهذه شبهة تبدو قوية.
لكن -والْحَمْدُ لِلَّهِ- الجواب عليها واضح وسهل، فقد أجاب عليهاالسلف بأن ما يضاف إِلَى الله عَلَى نوعين: معانٍ وأعيان، الأعيان أي الأشياء الحسية، وهذه واضحة أنها مخلوقة، مثل بيت الله الكعبة، وناقة الله، وماء الله، وأي شيء نضيفه إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ من الأشياء الحسية فإن هذا يكون من الأعيان، وتكون الإضافة هنا للتشريف.