[وطائفة تثبتها] فيقولون: نَحْنُ نثبت هذه العبارات أو نثبت نفيها سواءً كانت سلباً أو إيجاباً، لأن المراد بها معنىً حسناً يقصد به تنزيه الله عَزَّ وَجَلَّ، فلماذا ننفيها؟ والأولون قالوا: إنها تحمل معنى غير لائق بالله عَزَّ وَجَلَّ، فلماذا نثبتها؟ فهما قولان متقابلان متناقضان.
[وطائفة تُفصِّل وهم المتبعون للسلف] تقول: هذه العبارات المستحدثة لا ننفيها بإطلاق ولا نثبتها بإطلاق، بل نُفصِّل في ذلك.
ومن عمدة هَؤُلاءِ الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فإنه لما وقعت فتنة والقول بخلق القرآن، أُتي بالإمام مقيداً بالأغلال، وأُتي بأئمة الاعتزال والبدع، الذين كانوا قد زينوا الأمر للخليفة وأن هذا عَلَى بدعة -يعنون الإمام أَحْمَد - فكانوا يسألون الإمام أَحْمَد، وكان الإمام أَحْمَد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ورحمه يضع قاعدة عامة في كل مناظرة ثُمَّ بعد ذلك يناقش عَلَى هذه القاعدة يقول: [ائتوني بشيء من الكتاب أو السنة، يقولون له: يا أَحْمَد قُل القُرْآن مخلوق، فَيَقُولُ: ائتوني بشيء من الكتاب أو السنة، فجاءه رجل من هَؤُلاءِ يدعى برغوث وهو من المعتزلة ومن الجهلة، لا علم له في الكتاب ولا في سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو رجل تعلم من كلام اليونان ومن فلسفة المجوس والصابئين، فأصبح يرى ويظن أن هذه الأمور العقلية أعظم مما جَاءَ في الكتاب والسنة وما عرفه السلف، ولهذا تصدى لمناظرة الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ ليفحمه وليبين له أنه عَلَى خطأ.
فقال له برغوث يا أَحْمَد! يلزمك إن قلت: إن القُرْآن غير مخلوق أن تثبت أن الله جسماً؛ لأنه إذا كَانَ غير مخلوق يكون عرضاً، والأعراض والأفعال لا تقوم إلا بالأدوات أو بالأجسام.