ومنهم من فسره بإدراك المخلوقين، أو إحساس كل مخلوق بأن الله هو الأعلى في كل شيء.
ومنهم من فسره بأنه ذكر صفاته والخبر عنها وتنزيهها من العيوب والنقائص والتمثيل.
ومنهم من فسره بأنه توحيده وإخلاص العبادة له.
والمثل الأعلى -هذه: الجملة العظيمة- يتضمن هذه الأمور جميعاً.
واختلاف أقوال السلف من اختلاف التنوع لا من اختلاف التضاد، فإن قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [النحل:60] يتضمن هذه الأمور الأربعة:
الأول: ثبوت الصفة العليا لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، أي صفة عليا، وأي صفة كمال، فهي ثابتة لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- سواء علمها العباد أو لم يعلموها، فما علمه الإِنسَان وما لم يعلمه من صفات الكمال، فإنه ثابت لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو المتصف بالكمال المطلق وحده.
والثاني: وجودها في العلم والشعور، أي أنها توجد لدى الملأ الأعلى، ولدى الناس، حتى لدى الكافر منهم، كما قلنا -مثلاً- أن من يعبد الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويؤمن بوجوده، فلا بد أن يتصور أنه حي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن له كمال الحياة، وأن هذا الإله الحي يفعل ما يشاء، وأنه قدير عَلَى كل شيء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فهذه كلها تدل عَلَى أنه قد استقر في نفوس البشر، وفي أحاسيسهم وإدراكهم أن الذي له هذه الصفات بإطلاق، ولا ينازعه فيها شيء، ولا يقارنه في تمامها وكمالها شيء، هو الله وحده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ ولذلك فإنك تجد أن أي إنسان إذا أعجزه أمر من الأمور يقول: هذا شيء لا يقدر عليه إلا الله. أما الكافر وإن كَانَ يقول أنه لا يؤمن بوجود الله، فإنه يُعبر عن هذا بالفطرة، فإنه مستقر في الذهن أن القدرة المطلقة التي لا يغلبها أي شيء، هي لله وحده، وهكذا بقية الصفات.
الثالث: ذكر صفاته والخبر عنها وتنزيهها من العيوب والنقائص والتمثيل.