فهذا الحديث العظيم، حديثعمران بن حصين -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- يبين لنا هذه الحقيقة، ويجب أن يعلم أن الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتكلم ولم يخض في مسألة: هل هذا العالم خلق من مادة أو لم يخلق من مادة؟ ولم يجبهم عن أول المخلوقات بإطلاق، ولا عن بداية تأثير قدرة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وإنما سأله وفد اليمن عن هذا العالم المشهود الذي يرونه ويعيشون فيه، فأجابهم النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أول نشأته، وكيف خلقه الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في جواب لا يمكن أن يهتدي إليه أو يعرفه أي إنسان عَلَى الإطلاق، إلا الأمين الذي يأتيه خبر السماء صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا غيره.

أما هَؤُلاءِ فليس عندهم إلا مقولات أرسطو وأفلاطون، وما يسمونهم بأصحاب الحضارات والعلوم القديمة، الذين يقولون: إن العلة الأولى خلق عشرة عقول ثُمَّ استراح، ولم يعد ينظر في الكون؛ لأنه كامل -كما يقولون- والكامل لا يفكر في الناقص، والعقول العشرة خلقت الأفلاك، والأفلاك خلقت السموات والأرض، وهذه مقولات نظرية ليس لها أي أساس من الصحة، ولا حتى في عقول الذين جاءوا بها.

وهكذا كل ما قالوه أو يقولونه غير هذه النظرية، فهو أبطل منها، أو هو الجهل المطلق قبل بعثة النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أما الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلأنه لا ينطق عن الهوى، وإنما بما يوحي إليه ربه، فأخبر كما في هذا الحديث بهذه الأمور الغيبية التي يتقاصر دونها علم البشر، كائناً من كان، وفي أي زمان أو مكان، ولن يصل الإِنسَان بإطلاق إِلَى أن يعرف هذه الحقائق أبداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015