ومن أعظم الأدلة عَلَى ذلك ما ترونه من اشتغال كثير ممن يسمَّون علماء الآثار، أو علماء التاريخ القديم، أو علماء الحفريات، حيث يقطعون الفيافي والقفار، ويجهدون أنفسهم، وينفقون الملايين في الحفر والتنقيب والبحث، لعلهم أن يجدوا أثراً من آثار الماضين، ثُمَّ هذا الأثر يقدر عمره بعشرة آلاف سنة، وهذا بخمسة عشر ألف، وهكذا تمضي أعمارهم.
فإذا خرجوا يَوْمَ القِيَامَةِ من قبورهم، يسألهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن أعمارهم فيما أفنوها؟ مالكم وللقرون الأولى، فإن: عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى [طه:52] ، وإنما عليكم أن تعتبروا بمصير هذه القرون، وتتعظوا بإهلاك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لها، مع ما فيها من قوة الخلق، ومن الشدة والبطش.
وكان سبب إهلاكهم أنهم لما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم، كما تفرح كل أمة من الأمم بما عندها من الحضارة والثقافة، وبما عندها من الفن، وتقول: إن نُظُمنا وآدابنا وأخلاقنا وحضارتنا، تغنينا عن اتباع شرع الله، وعن الاقتداء بالأنبياء، فلسنا بحاجة إليهم أن يقولوا لنا: هذا حرام، وهذا حلال.
هذا نموذج من نماذج كثيرة، من الضياع والفراغ الذي يعيشه الإِنسَان بعيداً عن الوحي، مصدر اليقين والمعرفة، سواء ما أنزله الله تَعَالَى من كلامه، أو ما قاله رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي لا ينطق عن الهوى.