القضية الأخرى: قضية أصل الإِنسَان، وكيف وجد؟ وما هي وظيفته؟ مع أن التاريخ أمامهم بما فيه من آثار، وحفريات، وشواهد مكتوبة أو مرئية، ومع ذلك كله لم يصلوا إِلَى يقين، ولا إِلَى حقيقة، ولن يصلوا مطلقاً.
وإن وصلوا إِلَى شيء فقد جَاءَ به الوحي، وقدمه إليهم غضاً طرياً بلا عناءٍ ولا كلفةٍ ولا مشقة، يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51] ، فأخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لم يشهد هَؤُلاءِ المضلين خلق السموات والأرض، فكل كلام يقولونه عن نشأة الكون، وعن كيفية خلق السماء والأرض، وعن تكون المجرات أو النجوم وما إِلَى ذلك، فهو كله افتراضات وتخمينات وظن.
وكذلك خلق أنفسهم، فلم يشهد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَؤُلاءِ المضلين كيف خلق الإِنسَان، وكيف ابتدأه، وإنما أخبرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه خلق آدم من الطين، ونفخ فيه من روحه ثُمَّ جعله بشراً سوياً، وجعل ذريته من سلالة من ماء مهين.
هذا هو الذي جَاءَ في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكل خوض بعد ذلك عن أصل الإِنسَان، وما إِلَى ذلك، إما باطل لا حقيقة له بإطلاق، وإما خوض فيما لا نتيجة من وراءه ولا غاية ولا ثمرة.
وقد أغنانا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأعفانا عن البحث في أول خلق الأشياء، بأن نتفكر في خلق الكون، لنصل بذلك إِلَى معرفة الله وتوحيده، وإلى إفراد العبودية كلها له سبحانه، وإلى انتظار اليوم الآخر الذي يجمع الله تَعَالَى فيه الأولين والآخرين.
وهنالك يحاسبهم ويجازيهم عَلَى ما عملوا في هذه الحياة الدنيا، فالذين يضيعون أعمارهم في البحث عن أول نشأة الحياة، ثُمَّ يخرجون منها وهم لم يصلوا إِلَى يقين ولا إِلَى نتيجة في ذلك، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لماذا جاءوا.