كل من يؤمن بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من أصحاب الملل، كاليهود والنَّصارَى والمجوس من الفلاسفة ومن غيرهم، يقولون: بأن كل ما سوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهو مخلوق، ومع ذلك يقولون بدوام نوع هذه المخلوقات إِلَى ما لا نهاية له في المستقبل، كما قلنا: إن الجنة والنَّار تبقى إِلَى الأبد، وهذا لا ينافي أن يكون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الآخر كما جَاءَ في الحديث: (وأنت الأخر فليس بعدك شيء) ، فإذا أمكن ذلك، فما المانع من مقابله أيضاً، أن يكون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الأول الذي ليس قبله شيء، ومع ذلك فإن نوع حوادث المخلوقات قديم.

فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ ولم يزل فعالاً لما يريد، متكلماً كما يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران:40] وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد [البقرة:253] فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:16] وهناك آيات متعلقة بكلامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّه [لقمان:27] ، والكلمات هي أوامر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي تكون بها المخلوقات وغير ذلك، فهذا دليل عَلَى أن أفعال الله وكلماته لا تتناهى أزلاً ولا أبداً، وهذا من صفات كماله سبحانه.

وإنما يكون النقص والعيب لو أننا افترضنا مخلوقاً من مخلوقاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى متقدماً عليه أو متأخراً عنه، وأما القول بأن كل مخلوق يخلقه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ يفنيه إذا شاء أن يفنيه؛ فهذا لا يقتضي نقصاً، بل النقص أن يقَالَ: إنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يكن متكلماً، ولم يكن مريداً لما يشاء في ذلك الزمن سواء كَانَ الأزل أو الأبد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015