فالكمال الذي نريد إثباته لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو: أنه فعال لما يريد، متكلم بما يشاء في أي زمن من الأزمان، ونفي ما سوى ذلك هو النقص، إذا افترضنا أنه كَانَ ممتنعاً عليه من الكمال.

ثُمَّ ابتدأ المُصنِّفُ يرد عليهم في قولهم: إن هذا يلزم منه التسلسل.

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

[قالوا: والتسلسل لفظ مجمل، لم يرد بنفيه ولا إثباته كتاب ولا سنة، ليجب مراعاة لفظه، وهو ينقسم إِلَى واجب وممتنع وممكن.

وكالتسلسل في المؤثرين محال ممتنع لذاته، وهو أن يكون مؤثرون كل واحد منهم استفاد تأثيره ممن قبله لا إِلَى غاية.

والتسلسل الواجب: ما دل عليه العقل والشرع من دوام أفعال الرب تَعَالَى في الأبد، وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيماً آخر لا نفاد له.

وكذلك التسلسل في أفعاله سبحانه من طرف الأزل، وأن كل فعل مسبوق بفعل آخر، فهذا واجب في كلامه، فإنه لم يزل متكلماً إذا شاء، ولم تحدث له صفة الكلام في وقت، وهكذا أفعاله التي هي من لوازم حياته، فإن كل حي فعال، والفرق بين الحي والميت بالفعل، ولهذا قال غير واحد من السلف الحي الفعال. وقال عثمان بن سعيد: كل حي فعال، ولم يكن ربنا تَعَالَى قط في وقت من الأوقات معطلاً عن كماله، من الكلام والإرادة والفعل.

وأما التسلسل الممكن، فالتسلسل في مفعولاته من هذا الطرف. كما تتسلسل في طرف الأبد، فإنه إذا لم يزل حياً قادراً مريداً متكلماً -وذلك من لوازم ذاته- فالفعل ممكن له بوجوب هذه الصفات له، وأن يفعل أكمل من أن لا يفعل، ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه، فإنه سبحانه متقدم عَلَى كل فرد من مخلوقاته تقدماً لا أول له، فلكل مخلوق أول، والخالق سبحانه لا أول له، فهو وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن] اهـ

الشرح:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015