فنقول: ما دامت صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باقية ولا تحدث بعد إذ لم تكن، إذاً آثارها كذلك، وأوضح من ذلك ما يتعلق بصفة الكلام، فقد نص الجهمية والشيعة: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ ذاتاً بلا صفات، ثُمَّ حدثت له الصفات، فلما خلق الكون صار خالقاً بعد أن لم يكن خالقاً، فكان بذلك في زمن ليس متصفاً بهذه الصفات، فلم يفرقوا بين القوة والفعل، وإنما نظروا فقط إِلَى الفعل، فَقَالُوا: صار قادراً عَلَى الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادراً.
والأشعرية نصوا عَلَى ذلك في الفعل دون الكلام، لأن الكلام عندهم صفة ذاتية متعلقة بالذات، قديمة بقدم الذات.
بينما الكلام عند أهل السنة -نوعه وجنسه- قديم، لكن الآحاد حادثة، فالقرآن نزل بعد نزول التوراة والإنجيل، وهذا معلوم لجميع العقلاء، فدل ذلك عَلَى أنه يقع بعد أن لم يكن.
إذاً فلا غبار في إثبات حوادث لها أول، ولا نخرج في ذلك عن الشرع ولا عن العقل، لأنه ما من وقت يقدر فيه إمكان الحدوث إلا وغيره ممكن أن يقع فيه وما من دليل يمنع حدوث حوداث قبل الوقت الذي حددتموه.
وكل الفرق الإسلامية تقول: إن هذا العالم حدث بعد أن لم يكن، عدا الفلاسفة الذين يقولون: إنه قديم.
وكلام المانعين لحوادث لا أول لها يدل عَلَى امتناع حدوث العالم؛ لأنه ما من وقت يقدر فيه الحدوث إلا وأمكن أن يقع قبله، وكذلك حديث عمران بن حصين هو نفسه دليل عَلَى أن الكلام ليس عن فترة لم يكن فيها، أيُّ مخلوق أبداً، وإنما يتكلم عن أمر هذا العالم والكون الأرضي الدنيوي، ولهذا لما سألوه قالوا: جئنا نسألك عن أول هذا الأمر كيف كان؟