وأيضاً إذا قيل: إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد المرسلين، فهو يختلف عن قولنا: إنه سيدنا، لأن المرسلين هم أفضل البشر وأعلاهم درجة ورتبة وشرفاً، فتفضيل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المرسلين بأنه سيد المرسلين، تفضيل واضح، بخلاف ما إذا قال العامي من الناس: سيدنا، فقد يفهم منها ما يستخدم عادة للعظماء أو للأمراء، أو للملوك، ولهذا إذا قال فلان: سيد العلماء الشَّافِعِيّ، وسيد المحدثين الإمام أَحْمَد، ففيه ميزة.
لكننا لو قلنا سيدنا الإمام أَحْمَد، فإن هناك فرقاً بين هذا وهذا، وإذا قلنا فلان سيدهم أو أمير المؤمنين في الحديث، فهذا تفضيل، فلو فكرنا في هذه الأمور بعقل صائب سليم متزن، لوجدنا أن ما ورد في حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو: أولاً: أنه المتبع الذي يجب أن يطاع. وثانياً: أن الأليق والذي فيه توقير وتعظيم له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر، أن نقول: إنه عبد الله، ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولما قال الإمام الطّّحاويّ: (وسيد المرسلين) ثار هنا إشكال!
وهو كيف يُقَالَ: إنه سيد المرسلين مع أنه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تفضلوني عَلَى موسى) و (لا تفضلوني عَلَى يونس) ، ولما قال النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تفضلوني عَلَى موسى) ، أو (لا تفضلوني على الأنبياء) ، أو (لا تخيروا بين أنبياء الله) ، فإنه يتعارض مع حديث (أنا سيد النَّاس يَوْمَ القِيَامَةِ) ، و (أنا سيد ولد آدم يَوْمَ القِيَامَةِ) .
المفاضلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين موسى عليه السلام
ذكر المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ أن لهذا النهي سبباً، وهذا السبب ذكره الإمام البُخَارِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الصحيح في أكثر من موضع.