والقصة التي ذكرها المُصْنِّف هنا، وهي أنه لما تخاصم اليهودي والمسلم، فأقسم اليهودي قائلاً: والذي فضل موسى عَلَى البشر، فلطمه المسلم، وقال له: أتقول هذا ورَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا، فجاء اليهودي فاشتكى من المسلم الذي لطمه فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تفضلوني عَلَى موسى، فإن النَّاس يصعقون يَوْمَ القِيَامَةِ، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشاً بساق العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي أو كَانَ ممن استثنى الله) .
قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنه إنما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا لأنه قيل هذا عَلَى سبيل الحمية والعصبية، فالمسلم لما رأى أن الذي دفع اليهودي هي الحمية والفخر في قوله: والذي فضل موسى عَلَى سائر البشر أخذته الحمية، فقَالَ: والذي فضَّل محمداً، فلطمه وقَالَ: أتقول هذا ورَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أيدينا) .
وقد جَاءَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه إذا قاتل الإِنسَان وجاهد يريد الدنيا أو حمية وعصبية، فإنه لا يقبل منه، فكذلك هذا القول وإن كَانَ حقاً، لكن إذا كَانَ في مقام العصبية فإنه لا يقبل من صاحبه ويرد عليه، فالذي أنكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو أن يكون التفضيل عَلَى سبيل الحمية والعصبية.
لكن هل تفضيل الأَنْبِيَاء بعضهم عَلَى بعض، وتفضيل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق أم لا؟
فالجواب نعم هو حق بنص كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حيث يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253] ويقول: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض [الإسراء:55] .