ثُمَّ إنه أقرب النَّاس إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أُولَئِكَ الركب، لأنه من بني أمية وهم أقرب البيوت إِلَى بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن جد الجميع الرابع عبد مناف، وهو يريد أن ينتقم منه لأنه عدوه لكن الحياء والقرابة تمنعه وهو قد قَالَ: أنا أقرب النَّاس إليه فإذاً لن يلتزم في إجابته إلا أن يقول الحق, والصدق ثُمَّ ابتدأ تلك المناظرة الفريدة.
أكبر ملوك الأرض وأكبر زعماء الدنيا صاحب الكتاب والرأي وصاحب الخبر الحسي والدليل النقلي الذي يملك بقايا الوحي من السماء، يسأل زعيم قريش، وعدو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التي تحاربه ليلاً ونهاراً وتسعد لاستئصاله كافة، وليس هناك أحد موجود لا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موجود ولا أحد من أصحابه، وليس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلطه لا عَلَى زعيم النصف الغربي من العالم، ولا عَلَى زعيم أعدائه حتى يجعلهم يحابونه أو يداهنونه، وإنما هي مناظرة تكون نتيجتها حقاً كم يظن هَؤُلاءِ النَّاس وكما يعتقدون من دون أي تأثير خارجي عَلَى الطرفين، ثُمَّ بدأت الأسئلة.
وقبل أن نبدأ بالأسئلة ننبه إِلَى أن أسقف روما هذا الذي هو البابا الأكبر جَاءَ بنفسه لما جاءه كتاب منهرقل، وتعجب فلما دخل عَلَى هرقل قال له هذا هو النبي الذي بشر به عيسى، هذا هو النبي وآمن به وصدقه وشهد شهادة الحق، وقتل هذا الرجل فيما بعد لمَّا أن رفض قوم هرقل الإسلام وتراجع هرقل نفسه لكنه شهد شهادة الحق.
ولهذا لم يكن هرقل في موقف المناظرة -كما سوف نرى في الأسئلة- ولم يكن موقفه موقف الإِنسَان الذي يجهل شيئاً؛ بل في موقف المستدل بصدق النبوة والمستدل بصحتها والمقرع والموبخ لأبي سفيان، إذا كنت أنت قريبه وأنت الذي تعرف آياته ورأيتها وتكذب به فأنا أدلك عَلَى أنه كذا وكذا.