ولهذا يجب عَلَى الإِنسَان أن يتخذ الأسباب: لأن الله تَعَالَى خلق أموراً وخلق أسباباً تدفعها أو تجلبها، فأخذ الإِنسَان بالأسباب لا بد منه، وسيأتي له مبحث في آخر الكتاب إن شاء الله. والأخذ بالأسباب ينافي القدر، بل هو من القدر، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئُل: أرأيت أدوية نتداوى بها أتخالف قدر الله؟ قَالَ: هي من قدر الله، فالمرض من قدر الله، والعلاج من قدر الله.
فالصوفية هم من أجهل النَّاس بالأحكام الشرعية والكونية لأننا حتى في القدر الكوني لا بد أن ندفع القدر بالقدر، يقول المصنف: [فإن الطاعة هي موافقة الأمر الديني الشرعي] كيف يكون فعله كله طاعات، والطاعة هي موافقة الأمر الديني الشرعي لا موافقة القدر والمشيئة، أي الأمر الكوني؟ .
من لوازم هذا القول الفاسد
قال المصنف: [ولو كَانَ موافقة القدر طاعة] يعني: بغير التزام بالشريعة [لكان إبليس من أعظم المطيعين له] لأن كل ما يعمله إبليس فهو بقدر الله.
هذا عند أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بل قال عن نفسه ذلك: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16] فهو يعترف بأن الغواية من الله، وكأنه يقول: أنا منفعل لأمرك، فهذا الكلام نفسه هو مدلول كلام الصوفية.
ثُمَّ قَالَ: [ولكان قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون كلهم مطيعين] أي: لأنهم لم يخالفوا قدر الله وإنما خالفوا شرع الله ودينه، أما قدر الله الذي كتب عليهم فكل ما فعلوه فهو مكتوب، وهو موافق لما كتبه الله تَعَالَى حتى عندما قال فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] ، وقَالَ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] هذا كله بقدر الله، وموافق لقدر الله الذي كتبه قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.