ويتمكن الشيطان من هذه القلوب الخاوية من ذكر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فيوحي إليهم أن أفعالهم جميعاً كلها طاعات كما قال الجيلي:
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً فإني في حكم الحقيقة طائع
ولهذا لا تنكر عَلَى أحد، وفي كتاب أخبار الحلاج يقول: أحد تلامذته: مررنا بالسوق فإذا برجل عند خياط يهودي فشتم المسلم اليهوديَّ قَالَ: فغضب الحلاّج غضباً شديداً، وأخذ الرجل أي: المسلم وشتمه شتماً شديداً، وقَالَ: لا تعترض عَلَى دين أحد قَالَ: لماذا يا شيخ؟. قَالَ: لأنك إذا اعترضت عليه أثبت له الاختيار، يقول الحلاج: لأن الذي يختار هو الله.
ولو كَانَ لدى هذا المسلم علم لقال له: وأنا لماذا تعترض علي وأنا منفعل؟! وإذا اعترضت عليّ فكأنك تثبت أني مختار، فلماذا أنا مختار وهذا اليهودي غير مختار؟ لكنه لا يدرك هذا، لأنه عندما يرى هذا الشيخ العابد الجليل صاحب الكرامات -كما يزعمون- تأخذه الهيبة ولا يستطيع أن ينكر عليه، ويظن أنه يرشده ويدله إِلَى كيف يعظم الله؟ وكيف يعرف قدر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ .
يقول المصنف: [وهَؤُلاءِ أعمى الخلق بصائر، وأجهلهم بالله وأحكامه الدينية والكونية] كليهما، فأما الحكمة الدينية فكل مسلم يعلم ضرورة أن الله أمر بطاعته، ونهى عن عصيانه، وأن العبد يمكن أن يفعل الطاعات، وفي مقدوره أيضاً أن يفعل المعصية، فإن فعل الطاعة فله الأجر، وإن فعل المعصية فعليه الوزر والعقوبة، وهذا أمر بدهي يعرفه حتى عامة الناس.
فهَؤُلاءِ الصوفية أجهل النَّاس بأوامر الله الدينية والكونية، لأننا في أوامر الله الكونية لم نؤمر بالاستسلام المطلق، ولهذا لما قال أبو عبيدة لعُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أتفر من قدر الله؟ قال له: نفر من قدر الله إِلَى قدر الله، فالعافية بقدر الله والمرض بقدر الله، فإذا ابتلي الإِنسَان بمرض فهذا بقدر الله الكوني ويكون دفعه بعمل يوافق القدر الكوني، فتطلب الدواء والعلاج.