وهَؤُلاءِ أعمى الخلق بصائر، وأجهلهم بالله وأحكامه الدينية والكونية، فإن الطاعة هي موافقة الأمر الديني الشرعي، لا موافقة القدر والمشيئة، ولو كَانَ موافقة القدر طاعة، لكان إبليس من أعظم المطيعين له، ولكان قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون، كلهم مطيعين! وهذا غاية الجهل] اهـ.
الشرح:
من شدة جهل الصوفية أنه يتردد عَلَى ألسنة بعضهم فيقولون: إن الواحد منهم من شدة استحضاره بأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مدبر كل شيء، وخالق كل شيء..، تصبح أفعاله وأعماله كلها بغير اختياره، والله هو الذي يدبرها ويحركها، فيلغي إرادته بالكلية ويقول: أنا لا إرادة لي في ذلك، وكل ما أعمله فهو من الله، وكله موافق لإرادة الله الكونية ولأقداره التي كتبها، فإن هذا لم يصبح فاعلاً وإنما أصبح منفعلاً لما يختاره الله، فسواءً وافق ذلك حلالاً أو حراماً بحكم الشرع، فأنا منفعل لما يختاره الله.
أصل ضلالهم أنهم فرغوا قلوبهم من ذكر الله فسكنتها الشياطين
ذكر الإمام الغزالي في الإحياء المدخل الخفي الذي يدخل منه هَؤُلاءِ الصوفية فقَالَ: يجب عَلَى الصوفي المريد في الخلوة أن لا يشتغل بشيء، لا بحديث، ولا بقراءة القُرْآن، ولا بالتفسير، وأن يفرغ قلبه من كل شيء، وبعد ذلك تنفعل حياته.
يقول شَيْخ الإِسْلامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لما فرغوا قلوبهم من ذكر الله ومن القُرْآن والحديث سكنتها الشياطين فوجهتهم، فأصبحت الشياطين تأمرهم وتنهاهم، ويظنون أن هذا من أمر الله وقدره، وإلا كيف يفرغ المؤمن قلبه من ذكر الله ومن القُرْآن والحديث، وبعد ذلك يظن أنه بهذا التفريغ يكون منفعلاً لما يختاره الله منه، وفي الحقيقة هو منفعل لما يختاره الشيطان، فيكون حال الشيطان في هذه الحالة كحال من قيل فيه:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خاوياً فتمكنا