أي أن الله أمره أن يقود فرس هذا الكافر الضال المضل -وهم لا يتورعون أن يقولوا إن هذا أمر كشفي خوطبنا به في قلوبنا- وقال: نَحْنُ بهذا العمل نوافق بين قدر الله وحكمة الله، فالْمُسْلِمُونَ عصوا الله فسلط عليهم هَؤُلاءِ الكفار.
فنحن موافقون للقدر وللحكمة من وقوع هذا العذاب، فهذا يسمونه الاستبصار بسر الله في القدر، إذا وقع في قلب أحدٍ فلا يعترض عَلَى أي شيء يقع أبداً بل يرى أن كل هذه الأفعال إما أن تكون من فعل الله -كما أشرنا فيما مضى- فهولاكو ما هو إلا صورة لفعل الله، والله هو الذي فعل ذلك وأنا عندما أعمل هذا العمل فأنا أُنفذ حكم الله وفعله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو أن تكون من فعل هولاكو ولكنه ما فعله إلا موافقة للقدر، فهو وإن كَانَ خارجاً عن الدين والشرع، لكنه موافق للقدر. وبذلك عبر شاعرهمعبد الكريم الجيلي:
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً فإني في حكم الحقيقة طائع
فلا مانع عندهم أن يعبد الله في الكنيسة أو في المسجد أو في إي مكان، فهم يقبلون أي دين -والعياذ بالله-، ومعنى البيت: إذا كنتُ خرجتُ عن حكم الشريعة، عن الأمر والنهي، فإني لم أخرج عن القدر وهو: شهود الحقيقة الكونية، فإذا شهد العبد -على زعمهم- الحقيقة الكونية فإن كل ما في الكون هو من أفعال الله، فلا ينكر منكراً، ولا يعترض عَلَى أي أمر يقع، لأنه من فعل الله، تعالى الله عما يقولون.
ولهذا يقول المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رداً عليهم:
[قيل: هذا هو الذي أوقع من عميت بصيرته في شهود الأمر عَلَى خلاف ما هو عليه، فرأى تلك الأفعال طاعات لموافقته فيها المشيئة والقدر، وقَالَ: إن عصيت أمره فقد أطعت إرادته وفي ذلك قيل:
أصبحت منفعلاً لما تختاره مني ففعلي كله طاعات