أرأيتم إِلَى موسى عَلَيْهِ السَّلام، لولا أن فرعون كَانَ عالياً من المسرفين في قمة الطغيان والاستبداد والاستعباد وجعل بني إسرائيل شيعاً، يذبح أبناءهم ويستحيي نسائهم، كل هذا الضغط وهذا الظلم الذي كَانَ يعاني منه بنوا إسرائيل، وهذه القوة والجبروت الذي كَانَ فرعونيعلنها أمام النَّاس أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] ، كل هذا الكبر والاستعلاء في الأرض كَانَ فيه مصلحة وحكمة وهو: أن الله جعل موسى عَلَيْهِ السَّلام من أولي العزم من الرسل، وبلغ عند الله منزلة عظيمة، وكلمه ربه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وأيده ونصره لأنه واجه هذا الظلم العظيم، فلو لم يكن فرعونبهذه المثابة من الكفر لما ظهر بذلك فضل موسى عَلَيْهِ السَّلام وصبره وقوته في مقاومة هذا الباطل وهذا الظالم وهكذا.
ولهذا فالحال كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يبتلى المرء عَلَى قدر دينه، فأشد النَّاس بلاءً الأَنْبِيَاء، ثُمَّ الأمثل فالأمثل) فالابتلاء والكفر والعناد الذي يقع من الكفار وهو مكروه ومبغوض لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يكون فيه خير، وهو أنه يظهر به تفاوت المؤمنين ودرجاتهم عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.