ولكن هذه الابتلاءات لله تَعَالَى فيها حكمة عظيمة جداً، ارتفعت منزلة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان له الأجر عَلَى هذا الصبر، وعلى هذا الابتلاء.
واختار الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعد ذلك الأنصار -الأوس والخزرج- وفضلهم عَلَى كل القبائل، ليكونوا أهلاً لقبول الدعوة ولإيواء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولتكون بلدتهم يثرب -كما كانوا يسمونها- هي المنطلق والمرتكز لهذا الدين، كل هذا فيه حِكَم، فالمؤمنون الأولون الذين عذبوا وأوذوا هم الذين صبروا وصمدوا وعليهم قام هذا الدين، لكن الذين دخلوا في الإسلام بعد الفتح عشرات الألوف، وتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم ينتشر خبر وفاته إلا وارتد أكثر العرب، لأنهم لم يتربوا عَلَى هذا الدين ولم يعرفوا قيمته، لكن الذين كانوا محاصرين، وهاجروا إلى الحبشة، وكانوا يعذبون وتوضع عليهم الصخرات الثقيلة في شدة الرمضاء في مكة ليرجعوا عن دينهم، هَؤُلاءِ لم يرتدوا بعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذاً: لله في إقداره حِكَم، فهذا الأذى الذي وقع من الكفار لا يريده الله بمعنى: لا يرضاه ولا يحبه فلا يرضى الكفر ولا يرضى إيذاء المؤمنين، لكن لما فيه من الحكم العظيمة.
فأهل بدر الذين خرجوا وأكثرهم مشياً عَلَى الأقدام في عتادٍ وعدةٍ قليلة، وكانوا يواجهون من هو أقوى منهم عدداً وقوةً، وكانوا يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، لكن كَانَ لله حكمة في أنهم وقع لهم ما وقع، لأن النصر جاءهم مع هذه القلة ومع هذا الضعف والصبر، وبقي لأهل بدر ميزة يتميزون بها عن أهل الإسلام كافة، إذاً في تلك المكروهات حكم ومصالح عظيمة لم تكن لتتحقق إلا بوجود تلك الأسباب المكروهة التي جعلها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.