فالخطأ من طبيعة البشر، لكن يجب عَلَى الإِنسَان أن يتوب وأن يستغفر، وأن يبادر إِلَى ربه تَبَارَكَ وَتَعَالَى في ذلك، بل إن مما يشاهد ويلاحظ في واقع النَّاس أن بعض الذنوب والمعاصي والأخطاء التي يرتكبها بعض النَّاس ربما كانت سبباً في هدايته هدايةً عظيمة، واستقامته استقامةً لا مثيل لها قبل أن يقع منه ذلك الذنب، وهذا ما عبر عنه بعضهم بقوله: (رب معصيةٍ أورثت ذلاً وانكسارً خيرٌ من طاعةٍ أورثت عزاً واستكباراً) .
فبعض المعاصي والذنوب يعرف بها صاحبها قدر نفسه ومنزلتها من طاعة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وربما كانت سبباً في إقلاعه عن سائر الذنوب واجتهاده في طاعة الله فترتفع درجته، ويزداد يقينه، ويعرف فضل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليه بالتوبة وبالعصمة من الذنوب التي هي أكبر، ويعرف مقدار انحطاط العبد ومقدار غروره، ومقدار ظلمه لربه ولنفسه في حالة الذنب، وهذه العبر والحكم لا تكون إلا بناءً عَلَى ذنب بعد ذنب أذنبه.
انظروا إِلَى أبينا آدم عَلَيْهِ السَّلام! لله حكمة عظيمة حيث قدر له أن يأكل من الشجرة، ألا ترون أن الله تَعَالَى نهاه من الأكل من الشجرة؟
إذاً: الأكل من الشجرة بالنسبة لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مبغضاً شرعاً لأنه نهاه، وهو كوناً وقدراً محبوب أي: مراد مطلوب، فاجتمعت فيه إرادته كوناً مع بغضه شرعاً، والإرادة الكونية لها حكم عظيمة وإن خالفت الإرادة الشرعية. فمن ذلك الحكم العظيمة التي نراها الآن في واقع هذه الدنيا.
كيف ترون الحال لو أن آدم وذريته خلقهم الله تَعَالَى في الجنة وبقوا يتناسلون ويتكاثرون فيها، لما كانت هناك حكمة من خلق الإنس والجن مما هو في الدنيا، ومن حكمة خلق الإِنسَان وحكمة التكليف وتحمل الأمانة , وإرسال الرسل وإنزال الكتب وافتراق النَّاس إِلَى فريقين، هذا يجاهد في الله حق جهاده، وهذا يطيع عدو الله ويتبعه ويعادي ربه.