كل هذه من الحكم التي نراها ووجود خلق من خلق الله اصطفاهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم الأَنْبِيَاء وأفضلهم هو مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو تأملنا لوجدنا أنه لا معنى للوجود الإِنسَاني بإطلاق لو كَانَ في الجنة، فهناك نوع شر محض وهم الشياطين المردة، وإن كَانَ في وجودهم خير من جانب، وهناك خير محض وهم الملائكة، ووجود الجنس أو الطرف الذي يمكن أن يكون خيراً ويمكن أن يكون شراً لحكم عظيمة جداً، فوجد عن طريق خلق آدم فخلقه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادراً لهذا ولهذا، فكان أكله من الشجرة ووقوع الذنب منه الذي لم يرض به الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شرعاً، لكنه وقع لحكمة كونية فنزل آدم إِلَى الأرض، فلما نشأ عَلَى هذا التراب عرف قيمة الجنة وعرف قيمة الطاعة وعرف أثر المعصية وخطرها وضررها عليه وعلى ذريته.
حتى قيل: إن آدم عَلَيْهِ السَّلام بكى حتى كانت دموعه تجري في الأرض مثل الأنهار من كثرة البكاء، ولا نستغرب هذا لأن من رأى الجنة ثُمَّ جَاءَ إِلَى هذا التراب لا بد أن يبكي؛ لأنه شيء لا يمكن للإنسان أن يطيقه ويأتي إِلَى هذه الأرض، ففي هذا من الحكم والمصالح العظيمة ما لم يكن لولا ذلك الذنب، ثُمَّ استمرت الإِنسَانية قروناً عَلَى التوحيد، حتى وقع فيهم الشرك، فظهرت حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أن يكون النَّاس مختلفين وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً [هود:118] لكن حكمته اقتضت أن يكون النَّاس مختلفين، وأن يكونا عَلَى فريقين، ثُمَّ نتج عن ذلك إرسال الرسل، وما يكون من رفعٍ لدرجات الرسل ولأتباعهم، وما يكون من إنزال العقاب والعذاب الأليم لمن خالفهم ولمن عصاهم وكفر بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة