فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى موصوف بهذه الصفات لأنه عَزَّ وَجَلَّ ذو حلم وعفو ومغفرة وستر وتجاوز فيقتضي ذلك ويتضمن وجود عبادٍ يحلم عنهم ويغفر لهم ويستر عليهم ويتجاوز عنهم، وهذا لا يكون إلا من عبادٍ لهم ذنوب ولهم أفعال يكرهها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وتكون من إغواء عدو الله الذي هو مادة كل شر من أعمال العباد وهو إبليس اللعين، فلكي تظهر آثار هذه الأسماء والصفات والأفعال لله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَانَ ذلك الشر موجوداً مع الخير، وكان لوجود الشر حكمة، كما أن لوجود الخير حكمة أيضاً، فوجود هذين معاً واجتماع إرادة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لها مع بغضه وكراهته لها أي: اجتماع ذلك في شيء واحد أو في هذه الأشياء، هو في غاية الحكمة لمن تأمله وتدبره.

يقول: وقد أشار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هذا بقوله: [لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم] هذا الحديث الصحيح تضمن إشارةً إِلَى تلك الحكمة الجليلة، وهو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبين لأمته الذين يخافون من الذنوب -وكل مسلم ومؤمن يجب أن يخاف من الذنوب- أن هذا الذنب لا بد أن يقع منكم، ولكن يجب عليهم أن يستغفروا، فالحرج ليس في وقوع الذنب فهو لابد أن يقع.

لكن يجب عليهم أن يبادروا إِلَى الاستغفار والتوبة والإنابة، فهذا أمر جبلت عليه الطبيعة الإِنسَانية، وهي أنها تقبل الخير وتقبل الشر، فقد يغلبها الهوى فتغلب النفس صاحبها، وإن كَانَ ذا إيمان ودين، لكن الواجب عليه أن يرجع وأن يتوب إِلَى ربه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وهو سبحانه تَعَالَى يغفر له، كما قال الله تَعَالَى في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم) وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآخر: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015