إن مجرد الإقرار هي الشهادة، وليس من شرط الاقرار أن يقول: أشهد عَلَى نفسي بكذا، وهذا حق، فلو أنَّ إنساناً أقر بشيء لقلنا: شهد عَلَى نفسه، وهذا كلام صحيح شرعاً ولغةً، فإن الإشهاد لا يشترط فيه أن يقول: أشهد عَلَى نفسي أن لفلان عندي كذا، فإذا أقر وقال: لفلان عندي كذا من المال، قلنا: فلان شهد عَلَى نفسه يعني: أقر عليها، فهو يقصد بذلك أن الإقرار لا يشترط أن يكون تلفظاً، وأن يكونوا استخرجوا استخراجاً حقيقياً، وأن يكونوا تلفظوا بذلك قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا [الأنعام:130] كما هو ظاهر في الآية التي دلت عليها الأحاديث، ولكن نقول: هذا لا ينافي ذلك، بل يؤيده فكونه إن قَالَ: أشهد عَلَى نفسي قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172] ، هذا كله شهادة عَلَى نفسه، وإن لم يقلها فمجرد الإقرار هو شهادة عَلَى النفس، هذا حق.

فيقال لهم: لماذا عدلتم عن هذه المعرفة والإقرار الذي شهدتم به عَلَى أنفسكم إِلَى الشرك؟

بل عدلتم عن المعلوم المتيقن إِلَى مالا يعلم له حقيقة تقليداً لمن لا حجه معه، بخلاف اتباعهم لآبائهم في العادات الدنيوية.

قيام الحجة على اليهود والنصارى والمشركين

أبناء اليهود والنَّصَارَى والمجوس وجميع الْمُشْرِكِينَ الذين أشركوا لا حجة لهم عند الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ، إلا أن يقولوا: إنا وجدنا آباءنا عَلَى أمة، ونحن عَلَى آثارهم مقتدون ومهتدون ومتبعون، فيقال لهم: لماذا عدلتم وتركتم الدين الذي غُرس في نفوسكم - بالفطرة والإيمان الصحيح واليقين بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واحد - إِلَى الإشراك؟

وليس الأمر كحال أموركم الدنيوية، لأن الأمور الدنيوية لا يعلم فسادها بمجرد العقل، وإنما قد يتبع فيها الإِنسَان، ويجوز أن يتبع الإِنسَان آباءه أو بيئته في أمور الدنيا، ولا يكون لديه حجة عقلية تبين فساد ما هم عليه، وأما الدين فلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015